فصل: شرح ثلاثة الأصول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


شرح ثلاثة الأصول

محمد بن صالح العثيمين

بسم ‏[‏ابتدأ المؤلف ـ رحمه الله ـ كتابه بالبسملة اقتداء بكتاب الله عز وجل مبدوء بالبسملة، واتباعًا لحديث ‏(‏كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر‏)‏ ‏[‏عزاه السيوطي في الجامع الصغير ‏"‏للرهاوي‏"‏ 4/147، وأخرجه الخطيب في ‏"‏الجامع‏"‏ 2/69‏.‏ وقد أخرج الحديث بطرق كثيرة وألفاظ متعددة، وقد ستل شيخنا العلامة محمد العثيمين -حفظه الله ورعاه-عن هذا الحديث فقال‏:‏ ‏"‏هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمن أهل العلم من صححه واعتمده كالنووي، ومنهم من ضعفه‏]‏ واقتداء بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يبدأ كتبه بالبسملة‏]‏‏.‏

الجار والمجرور متعلق بمحذوف فعل مؤخر مناسب للمقام تقديره بسم الله أكتب أوأصنف‏.‏

وقدرناه فعلًا لأن الأصل في العمل الأفعال‏.‏

وقدرناه مؤخرًا لفائدتين‏:‏

الأولى‏:‏ التبرك بالبداءة باسم الله سبحانه وتعالى‏.‏

الثانية‏:‏ إفادة الحصر لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر‏.‏

وقدرناه مناسبًا لأنه أدل على المراد فلوقلنا مثلًا عندما نريد أن نقرأ كتابًا بسم الله نبتدئ، لكن بسم الله أقرأ يكون أدل على المراد الذي أبتدئ به‏.‏

الله ‏[‏الله علم على الباري جل وعلا وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله تعالى‏:‏

‏{‏كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 1‏]‏

الرحمن ‏[‏الرحمن اسم من الأسماء المختصة بالله عز وجل لا يطلق على غيره والرحمن معناه المتصف بالرحمة الواسعة‏]‏‏.‏ الرحيم ‏[‏الرحيم يطلق على الله عز وجل وعلى غيره، ومعناه ذو الرحمة الواصلة، فالرحمن ذوالرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة فإذا جمعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ‏}‏ ‏[‏سورة العنكبوت، الآية‏:‏ 21‏]‏‏.‏ أعلم ‏[‏العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا‏.‏‏]‏‏.‏

{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ‏ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ‏}‏ ‏[‏سورة إبراهيم، الآية‏:‏ 1-2‏]‏ لا نقول إن لفظ الجلالة ‏"‏الله‏"‏ صفة بل نقول هي عطف بيان لئلا يكون لفظ الجلالة تابعًا تبعية النعت للمنعوت‏.‏

الأولى‏:‏ العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا‏.‏

الثانية‏:‏ الجهل البسيط وهو عدم الإدراك بالكلية‏.‏

الثالثة‏:‏ الجهل المركب وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هوعليه‏.‏

الرابعة‏:‏ الوهم وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح‏.‏

الخامسة‏:‏ الشك وهو إدراك الشيء مع احتمال مساو‏.‏

السادسة‏:‏ الظن وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح‏.‏

والعلم ينقسم إلى قسمين‏:‏ ضروري ونظري‏.‏

رحمك الله ‏[‏رحمك الله أفاض عليك من رحمته التي تحصل بها على مطلوبك وتنجو من محذورك، فالمعنى غفر الله لك ما مضى من ذنوبك، ووفقك بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة والتوفيق للخير والسلامة من الذنوب في المستقبل‏.‏

وصنيع المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ يدل على عنايته وشفقته بالمخاطب وقصد الخير له‏.‏

أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل ‏[‏هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى تشمل الدين كله فهي جديرة بالعناية لعظم نفعها‏.‏‏]‏؛ الأولى‏:‏ العلم وهو‏:‏ معرفة الله ‏[‏أي معرفة الله عز وجل بالقلب معرفة تستلزم قبول ما شرعه والإذعان والانقياد له، وتحكيم شريعته التي جاء بها رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويتعرف العبد على ربه بالنظر في الآيات الشرعية في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

والنظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات، فإن الإنسان كلما نظر في تلك الآيات ازداد علمًا بخالقه ومعبودة قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الذاريات، الآيتان‏:‏ 20-21‏]‏‏.‏‏]‏‏.‏

فالضروري ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًا بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال كالعلم بأن النار حارة مثلًا‏.‏

والنظري ما يحتاج إلى نظر واستدلال كالعلم بوجوب النية في الوضوء‏.‏

ومعرفة نبيه ‏[‏أي معرفة رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعرفة التي تستلزم قبول ما جاء به من الهدى ودين الحق، وتصديقه فيما أخبر، وامتثال أمره فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتحكيم شريعته والرضا بحكمه قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء الآية‏:‏ 65‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏سورة النساء‏:‏ 59‏]‏‏.‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏سورة النور، الآية‏:‏ 63‏]‏‏.‏ قال الإمام أحمد رحمه الله‏:‏ ‏(‏أتدري ما الفتنة‏؟‏

الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك‏)‏‏.‏‏]‏ ومعرفة دين الإسلام ‏[‏قوله معرفة دين الإسلام‏:‏ الإسلام بالمعنى العام هو التعبد لله بما شرع منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة كما ذكر عز وجل ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل‏:‏ قال الله تعالى عن إبراهيم‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً‏}‏ ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 128‏]‏‏.‏‏]‏‏.‏

والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يختص بما بعث به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن ما بعث به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نسخ جميع الأديان السابقة فصار من أتبعه مسلمًا ومن خالفه ليس بمسلم، فأتباع الرسل مسلمون في زمن رسلهم،

بالأدلة ‏[‏قوله‏:‏ بالأدلة جميع دليل وهوما يرشد إلى المطلوب، والأدلة على معرفة ذلك سمعية، وعقلية، فالسمعية ما ثبت بالوحي وهوالكتاب والسنة، والعقلية ما ثبت بالنظر والتأمل، وقد أكثر الله عز وجل من ذكر هذا النوع في كتابه فكم من آية قال الله فيها ومن آياته كذا وكذا وهكذا يكون سياق الأدلة العقلية الدالة على الله تعالى‏.‏‏]‏‏.‏

فاليهود مسلمون في زمن موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والنصارى مسلمون في زمن عيسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأما حين بعث النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكفروا به فليسوا بمسلمين‏.‏

وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله النافع لصاحبه قال الله عز وجل ‏{‏إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 19‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران، الآية‏:‏ 85‏]‏ وهذا الإسلام هو الإسلام‏.‏

الذي امتن به على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏3‏]‏‏.‏

وأما معرفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأدلة السمعية فمثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ‏}‏ ‏[‏سورة الفتح، الآية‏:‏ 29‏]‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 144‏]‏‏.‏ بالأدلة العقلية بالنظر والتأمل فيما أتى به من الآيات البينات التي أعظمها كتاب الله عز وجل المشتمل على الآخبار الصادقة النافعة والأحكام المصلحة العادلة، وما جرى على يديه من خوارق العادات، وما أخبر به من أمور الغيب التي لا تصدر إلا عن وحي والتي صدقها ما وقع منها‏.‏

الثانية العمل به ‏[‏قوله العمل به أي العمل بما تقتضيه هذه المعرفة من الإيمان بالله والقيام بطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من العبادات الخاصة، والعبادات المتعدية، فالعبادات الخاصة مثل الصلاة، والصوم، والحج، والعبادات المتعدية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله وما أشبه ذلك‏.‏

والعمل في الحقيقة هو ثمرة العلم، فمن عمل بلا علم فقد شابه النصارى، ومن علم ولم يعمل فقد شابه اليهود‏.‏‏]‏‏.‏

الثالثة‏:‏ الدعوة إليه ‏[‏أي الدعوة إلى ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من شريعة الله تعالى على مراتبها الثلاث أو الأربع التي ذكرها الله عز وجل في قوله‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 125‏]‏ والرابعة قوله‏:‏ ‏{‏وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏]‏ ‏[‏سورة العنكبوت، الآية‏:‏ 46‏]‏‏.‏‏]‏‏.‏